هل يجوز طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل؟ وما حكم الطلاق دون سبب؟ إن الزواج في العصر الحالي من أصعب الأمور، وذلك لأن المجتمعات تعاني من ضغوطات اقتصادية وسياسية تؤثر بشكل كبير على الحلقة الأضيق، وهي الأسرة فيعاني أفرادها من المشكلات والخلافات التي قد تقود إلى استحالة العشرة، لذا من خلال موقع القمة نعرض أحكام الطلاق وأسبابه الشرعية.

هل يجوز طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل

إن الأصل في الزواج هو الألفة والحب وذلك لأن الله سبحانه وتعالى حين خلق أبينا أدم جعل له روح يسكن ويطمئن إليها، وما كان ذلك إلا لأن الطبيعة الإنسانية تحتاج الأنس {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [سورة الأعراف: 189].[1]

ورغم أن الزواج يجعل المرء مرتاح البال والخاطر لأن هناك في هذا العالم الواسع من يهتم به ويرعاه ويشاركه الأوقات الحلوة والمُرة، إلا إنه مع الشخص الغير مناسب قد يحيل الحياة لجحيم مقيم فلا يتمكن المرء من التنفس ويشعر أنه على وشك الاختناق، لذا شرع الله الطلاق ويسأل الناس عن هل يجوز طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل؟ والإجابة تنشق لقسمين، وهما:

الناحية الدينية: فقد أجاز الله الطلاق ولكن مع وجود أسباب شرعية، وقد أكدت الدلائل من القرآن الكريم والسنة النبوية أن الطلاق أبغض الحلال لما فيه من هدم كيان الأسرة وتحطيم الأطفال والزوجين.

مع العلم أن أحيانًا يكون استمرار الزواج سبب في الفساد وتشويه الأولاد وجعلهم غير أسوياء وأعضاء غير مثمرين في المجتمع، وفي هذه الحالة يكون على المرء الطلاق فوقوع ضرر يحمي من وقوع ضرر أكبر ولو كان في كراهة.

الشق القانوني: فهو يجيز الطلاق إذ يمكن للمرأة أن تقوم بخلع زوجها أو تقدم في المحكمة طلب الطلاق للضرر، وذلك في حال كانت الزيجة مغلفة بالمشكلات والخلافات التي تصعب الحياة وتزيد من مشقتها.

اقرأ أيضًا: هل يجوز الطلاق بدون حضور الزوجة

حالات إيجاز طلب الطلاق

حالات إيجاز طلب الطلاق

في إطار الحديث عن هل يجوز طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل من اللازم ذكر الأسباب التي تشكل سبب يبيح الطلاق، والذي جعل له الله سبحانه وتعالى سورة كاملة للحديث عنه وعن أحكامه وهي سورة الطلاق، وتتمثل هذه المشكلات فيما يلي:

  • خيانة أحد الزوجين: حرم الله الزنا وجعل الزواج سبيل للطهر والعفاف وقد جعل عقوبة هذا الجرم للمتزوج ضعف العازب، ليبين عظم هذا الفعل ويحق للزوجة طلب الطلاق في المحكمة تحت بند طلاق للضرر.[2]
  • الضرب أو البذاءة: وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء قائلًا رفقًا بالقوارير، لذا فإنه حين يتطاول الزوج على الزوجة بيد أو اللسان فيحق لها أن تطلب الطلاق خصوصًا إن كان يهدد أمنها وأمن أولادها.
  • تدخل الأهل في شؤون الأسرة: الضرر النفسي وعدم التفاهم من أقوى أسباب الطلاق وذلك لأنهم يؤثرون في نفس الإنسان بشكل عميق وعلى مدى بعيد بحيث يصعب فك هذه العقدة وعلاج تداعياتها.
  • سفر الزوج: هذا الأمر يضيع المعنى الأساسي للزواج والذي يتضح في قول الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21] إذ إنه يؤدي إلى غياب الحب والألفة بين الزوجين ويغري المرء للفتن.
  • هجر الزوجة: أكد الله على أنه من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إن قام زوجها عمدًا بهجرها ويتبين ذلك في قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة: 226].[3]
  • عدم النفقة: القوامة للرجل في المال وتدبير الجانب الاقتصادي للمنزل فإن امتنع عن دفع النفقة لزوجته وأولاده فإن هذا يعطي المرأة حق في طلب الطلاق لأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [ٍسورة البقرة: 229].
  • العيوب الخلقية والجسدية: إن اتضح بعد الزواج أن أحد الطرفين يعاني من مشكلات صحية أو جسدية لم يعلم بها الطرف الآخر فذلك يعطيه الحق أن يطلب الطلاق خصوصًا إن كان هذا العيب يعيق العلاقة الشرعية.

اقرأ أيضًا: هل يجوز الصلاة على النبي بنية قضاء الحاجة

حكم طلب الطلاق دون سبب

وضحنا جواب هل يجوز طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل؟ بشكل مفصل ولكن ما رأى الفقهاء بخصوص الطلاق دون سبب؟ أجمع الفقهاء وأئمة الشافعية، والحنابلة والمالكية، بالإضافة لابن باز وابن عثيمين على كراهة الطلاق بغير سبب قوي يتفق مع الأسباب الشرعية.[4]

  • لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} [سورة الزمر: 6].

أي أن الزواج نعمة والأساس هو حفظ النعم لأن الطلاق دون سبب كفران وجحود بنعم الله سبحانه وتعالى.

  • واستند العلماء على هذا الرأي بقول الله عز وجل في كتابه العزيز {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 227] إذ إن هذه الآية بها شيء من التهديد وذلك لأن الطلاق غير محبب عند الله.
  • ويوجد آيات عديدة تشجع على عدم الطلاق مثل قوله تعالى {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [سورة النساء: 34] حيث إن الله يحث عباده على عدم الطلاق إن قامت الزوجة بالطاعة في المعروف.
  • كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم “أيُّما امرأةٍ سأَلتْ زَوْجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجَنَّةِ” [سنن أبي داود – الراوي: ثوبان].
  • وفي حديث آخر لمحمد صلى الله عليه وسلم يؤكد أن الطلاق ما هو إلا طاعة للشيطان لأنه ينتج عنه شرور كثيرة مثل شتات الأسرة والأولاد إذ قال:

إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ” [صحيح مسلم – الراوي: جابر بن عبد الله].

طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل ليس أنسب حل إذ إن المرء حين يواجه مسألة حسابية معقدة فإنه لا يحلها بقطع الورقة، بل يجلس ويفكر ويحاول حتى يجد حلًا بالطبع توجد مشكلات لا حل لها، ولكن الأصل السعي من الإنسان والتوفيق من عند الله.